تُعدّ الحياة الجنسية والاكتئاب ما بعد الولادة من التحديات العاطفية والجسدية التي تواجهها العديد من النساء بعد الولادة، مما يؤثر على رفاهيتهن وعلاقتهن الزوجية.

الحياة الجنسية والاكتئاب ما بعد الولادة: واقع معقّد يطال العديد من النساء بعد الإنجاب

تُعدّ فترة ما بعد الولادة، التي تلي قدوم الطفل إلى الحياة، مرحلة مليئة بالتغيرات الجسدية والنفسية والعاطفية العميقة. ومن بين أبرز التحديات التي تواجهها الأمهات، يبرز الاكتئاب ما بعد الولادة واضطرابات الحياة الجنسية، حيث يؤثران على جودة الحياة وتوازن العلاقة الزوجية ورفاهية الأم. يهدف هذا المقال إلى تقديم فهم معمّق لهذه الإشكاليات، وأسبابها، وتجلياتها، وطرق التعامل معها.

ما هو الاكتئاب ما بعد الولادة؟
الاكتئاب ما بعد الولادة هو اضطراب في المزاج يظهر غالبًا خلال الأسابيع الأولى بعد الولادة، وقد يتأخر ظهوره إلى عدة أشهر. وعلى عكس "الكآبة النفاسية" (Baby Blues) المؤقتة والخفيفة، فإن الاكتئاب ما بعد الولادة يستمر ويؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية، ويمكن أن يصيب ما بين 15 إلى 20% من الأمهات.

تظهر أعراضه في شكل حزن شديد، فقدان الاهتمام، تعب مزمن، تهيج، قلق مفرط، اضطرابات في النوم والشهية، شعور بالذنب، بل وحتى أفكار مزعجة أو انتحارية.

أسباب الاكتئاب ما بعد الولادة
تتعدد العوامل المؤدية إلى هذا النوع من الاكتئاب، ومن أبرزها:

• عوامل هرمونية: الانخفاض الحاد في مستويات الهرمونات (كالإستروجين، البروجستيرون، الإندورفينات) بعد الولادة يخلّ بتوازن الدماغ الكيميائي.

• عوامل نفسية: التوتر، تاريخ سابق مع الاكتئاب أو القلق، تدني تقدير الذات، أو الحمل غير المرغوب فيه.

• عوامل اجتماعية وعلاقاتية: العزلة، نقص الدعم الأسري أو الزوجي، مشاكل اقتصادية أو زوجية.

• عوامل مرتبطة بالولادة: تجربة ولادة صادمة، مضاعفات طبية، أو ولادة طفل خديج.

الحياة الجنسية بعد الولادة
تمرّ الحياة الجنسية بعد الولادة بتغييرات كبيرة ناتجة عن التحولات الجسدية والهرمونية والعاطفية. حيث تعاني العديد من النساء من انخفاض الرغبة، آلام أثناء الجماع (عسر الجماع)، جفاف مهبلي، أو فقدان مؤقت للاهتمام العاطفي.

وقد تتفاقم هذه الاضطرابات بسبب:

• التعب الناتج عن رعاية المولود

• تغيّر صورة الجسد

• الخوف من الألم أو من حدوث حمل جديد

• التوترات الزوجية أو غياب التواصل

• الاكتئاب ما بعد الولادة ذاته، الذي يؤثر على الرغبة والقدرة على التواصل العاطفي

العواقب والمضاعفات
إذا لم يُعالَج الاكتئاب ما بعد الولادة واضطرابات الحياة الجنسية، فقد يؤديان إلى:

• عزلة متزايدة

• ضعف في علاقة الأم بالطفل

• نزاعات زوجية

• خطر تطور اكتئاب مزمن أو متكرر

• تأثير سلبي على الصحة العامة وجودة الحياة

التشخيص والعلاج
يعتمد التشخيص على تقييم سريري يجريه مختص في الرعاية الصحية. وتُستخدم أدوات مثل مقياس إدنبرة لاكتشاف الاكتئاب ما بعد الولادة (EPDS) للكشف المبكر.

تشمل سبل العلاج:

• دعم نفسي (علاج فردي أو زوجي)

• أدوية مضادة للاكتئاب، ويمكن اختيار الأنواع المناسبة للرضاعة

• مجموعات دعم للأمهات

• إعادة تأهيل عضلات الحوض ومرافقة مختص في الصحة الجنسية

• إشراك الشريك في الفهم والدعم العاطفي

العيش بأمومة وحياة جنسية متوازنة
من المهم التذكير بأن اضطرابات الحياة الجنسية بعد الولادة أمر شائع وغالبًا ما يكون مؤقتًا. ومع مرور الوقت، والتعامل بلطف، والحصول على الدعم المناسب، تستعيد معظم النساء حياتهن الجنسية بشكل مُرضٍ. ويُعدّ التواصل المفتوح مع الشريك والدعم المهني عاملين أساسيين في هذا المسار.

 

الخاتمة
تشكل الحياة الجنسية والاكتئاب ما بعد الولادة جانبين غالبًا ما يُهمّشان في تجربة الأمومة. إن الاعتراف بهما والتعامل معهما بشكل مبكر يساهم في الوقاية من معاناة لا داعي لها. ومن خلال توعية الوالدين والعاملين في المجال الصحي، نُسهِم في جعل مرحلة ما بعد الولادة أكثر هدوءًا، وأكثر إنسانية، وأكثر احترامًا لتجربة كل امرأة.